خلقت السينما العالمية العديد من الأشرار على مر الزمن، بعضهم قد يكون باهتاً بدوافع سيئة لمجرد السوء -كأن يسعى لتدمير البشرية- فيما بعضم الآخر قد يكون أكثر تعقيدًا وجدليّة؛ يسعون لهدف نبيل ولكن بطرق ملتوية وشريرة. لكن قد يكون “هانيبال ليكتر” من فيلم “The Silence of the Lambs” أحد أكثر الشخصيات رعباً في السينما.
يعود للمخرج فضل كبير في خلق هالة الرعب المحيطة بالطبيب آكل لحوم البشر، فيقدم لنا الشخصية قبل ظهوره على الشاشة لأول مرة على مرحلتين.
بداية نسمع كلام الشخصيات في المصحّة وهم يصفون ليكتر؛ على سبيل المثال عندما يتحدث المأمور قائلاً:
على الرغم من الخطاب الممل والذي قد يبدو أنه مبتذل لحد كبير، إلا أنه يقوم بعمل رائع في بناء توقعات المشاهدين: هانيبال ليكتر هو أحد أكثر الرجال اختلالاً ووحشية في المصح.
يلي ذلك بضعة جمل قصيرة من الممرضين والعاملين في المصح لتخدم الهدف ذاته، إرعابنا والمحققة الشابة “كلاريس” من هذا الشخص المختل.
في المرحلة الثانية يقوم المخرج بفعل شيئ مثير للاهتمام، بينما تسير كلاريس عبر الممر المؤدي لزنانة هانيبال، يستخدم الكاميرا لتعزيز المعلومات التي سمعناها سابقاً. ونشاهد 3 مساجين قبل أن نصل إلى هانيبال.
الأول مخيف قليلاً، يبتسم لها ويقول مرحباً. يبدو أن السجين التالي يعاني من خلل وظيفي لأنه يجلس هناك ويحدق بهدوء، وبالكاد يتفاعل مع وجودها. الثالث هو الأكثر جنونًا، فهو متوتر للغاية ويقفز حول زنزانته، مثل القرد تقريبًا.
وهنا نبدأ بخلق التوقعات، فكلما تقدمنا في الممر، كلما زاد السجناء جنوناً واختلالاً. ونعلم أن الرجل في الزنزانة الأخيرة ليس سيئاً فقط، ليس مجرد مجنون، إنه نموذج الجنون، أسوأ إنسان يمكن تخيله على الإطلاق.
بعد بناء التوقعات على مدى المشاهد السابقة يظهر أخيراً “أنتوني هوبكينز” الذي يلعب دور ليكتر ببراعة ويقول: “صباح الخير”.
يقف مستقيماً في زنزانة محكمة الإغلاق ومقارنة بالسجناء السابقين، لا تظهر عليه أعراض الجنون الواضحة. هذا مرعب لأنه يعاكس التوقعات تمامًا.
قيل لنا إنه أكثر الأفراد اختلالاً، ومع ذلك فهو يبدو متحضراً للغاية ومثل أي شخص قد تراه في الشارع باستثناء أن هناك شيئاً يبدو غريباً حول شخصيته.
تقوم كلاريس بالتعريف عن نفسها، مظهرةً أوراقها الرسمية، وتطلب الإذن بالتحدث معه. وهنا تبدأ المعركة بين كلاريس وليكتر، معركة فرض السلطة والهيمنة على الآخر. يقول ليكتر: “أقرب من فضلك.. أقرب”.
على الرغم من أن هذا عمل رمزي ظاهرياً – يبدو كشيء غير ضار نهائياً – إلا أنه يساعدنا كمشاهدين في الشعور بعدم الأمان، حيث نشعر منذ البداية أن هانيبال يتلاعب بنجاح بكلاريس: هو يطلب، وهي تنفذ. هانيبال لديه قدر كبير من السلطة عليها وهذا يجعلنا قلقين.
قد يبدو الأمر محيراً قليلاً لبعض الأشخاص “لماذا هانيبال مرعب للغاية في هذا المشهد؟”، إنه خلف زجاج سميك ولا يمكنه إيذاءها جسدياً، لذلك لا ينبغي أن يكون مخيفاً لأنه لا يملك القوة. لابد أن يكون بسبب شيء آخر!
المشكلة هي أن هذا استنتاج سطحيّ، وكلما تمعّنا أكثر ندرك أن الحقيقة هي العكس تماماً. إن هانيبال شرير مرعب بحق لأنه يمتلك كل القوة.
قد يبدو الأمر غير منطقياً بعض الشيء لأنه في قفص، لكن كلاريس جاءت إليه وهي تريد شيئاً واحداً: مساعدته في القبض على قاتل.
هي ضعيفة للغاية، لأنها يمكن أن تفشل بسهولة ولا تحقق أهدافها. لن يتطلب الأمر أي جهد تقريباً من جانب هانيبال لتحطيم طموحاتها تماماً. نتيجة هذا المشهد -سواء حصلت على المساعدة أم لا- هي بين يدي هانيبال بشكل كامل.
يقوم التصوير السينمائي أيضًا بعمل رائع في المساعدة على تعزيز قوة الشخصيتين. عند بداية الحوار جلست كلاريس على كرسيّ فيما بقي هانيبال واقفاً، وهذا يجعلها جسدياً أدنى منه مما يساعد على إيصال مدى كونه فوقها حرفياً من حيث القوة.
يمكنك أن ترى ذلك في اللقطات حيث ينظر إلى الأسفل باتجاه الكاميرا، بينما كلاريس تنظر إلى الأعلى بدلاً من ذلك.
وفي مشهد لاحق حيث تخلى أخيرًا عن سلطته ووافق على مساعدتها، انتقلت من الجلوس على الأرض إلى الوقوف، ليصبحا متساويين وعلى قدر متوازن من القوة.
أيضاً قام المخرج بملء الشاشة بوجه هانيبال، بينما وجه كلاريس لا يشغل سوى النصف. يساعد ذلك في جعلها تبدو بأنها صغيرة ومرة أخرى بلا قوة.
ليس من المصادفة أن الأبطال في أفلام الرعب غالبًا ما يكونون ذو كفاءة منخفضة، فأن يقوم مجرم بقناع وأسلحة بملاحقة بعض الشباب الضعفاء هو أمر مخيف. هذا الخوف سيكون أقل حدّة عندما يكون الأبطال مجموعة مسلحة ومدربة من القوات الخاصة مثلاً، حتى وإن كان بمواجهتهم كائن فضائي مرعب.
الرعب الحقيقي يولد مع فقدان القوة، وليكتر قد يكون الأفضل بانتزاع القوة من خصومه.