القول إن فيلم “جوكر – Joker” الذي صدر العام الماضي للمخرج “تود فيليبس” قد قسّم الجماهير والنقاد، سيكون تقليلًا من تأثير الفيلم على الأوساط الفنية والشعبية على حد سواء.
حصل جوكر حاليًا على تقييم 59% من موقع Metacritic الخاص بالنقاد، ولكن تصنيف مستخدمي موقع IMDb الشهير وصل في هذا الوقت إلى 8.5.
مجرد جولة سريعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقت صدور الفيلم، أو حتى الآن، ستكشف عن أكوام الثناء التي تلقاها الفيلم؛ وكذلك الكميات المتساوية من النقد السلبي تجاهه.
ومع ذلك، لم يمنع النقد السلبي اللاذع الذي تلقاه الفيلم عبر الصحافة أن يحصد في أسبوع افتتاحيته أكثر من 240 مليون دولار في شبّاك التذاكر في جميع أنحاء العالم.
هذا المبلغ الكبير يساوي تقريبًا ما جمعه الفيلم الثالث من سلسلة “The Dark Night” في افتتاحيته أيضًا. ولوضع هذا الرقم في سياق المقارنة، بلغت ميزانية Dark Knight Rises حوالي 250 مليون دولار، في حين كانت ميزانية Joker المقدرة حوالي 55 مليون دولار فقط.
ويعود الجزء الأكبر لهذا النجاح الهائل والسريع لفيلم Joker في شبّاك التذاكر بلا شكّ إلى امتلاء مواقع التواصل الاجتماعي بكلام عن الفيلم وجدليّته، وتحذيرات الإعلام من خطورة الفيلم على المجتمع.
الآن وقت مناسب لتحذير من قاوم حتى اليوم ولم يشاهد الفيلم بعد، فالشرح القادم سيحتوي على حرق لأحداث الفيلم.
الفيلم يدور حول آرثر فليك، كوميديٌ حالم، يعاني من مرض عقلي غير محدد، بما في ذلك حالة تجعله يضحك دون سبب مضحك بشكل هيستيري دون القدرة على التوقف. آرثر بحاجة ماسة إلى المساعدة النفسية التي حرم منها بسبب قطع التمويل الحكومي.
ومع استمرار الفيلم، يعاني آرثر من سلسلة من الانتكاسات واللحظات المُهينة، التي تحفز سقوطه تدريجياً إلى حالة ذهنية من العنف والغضب، يستهدفان النظام الذي فشل بمساعدته.
في نهاية الفيلم، وسط أعمال شغب جماعية مستوحاة من أفعال آرثر، والتي انتشرت على مستوى المدينة، أصبح آرثر دون قصد بطلاً لسكان مدينة غوثام المضطهدين.
وسط عنف الحشود العشوائي والانهيار المجتمعي ولد جوكر كما نعرفه.
الأمر الذي يبدو أن النقاد يعترضون عليه قبل كل شيء، هو أن آرثر لا يتم تصويره على أنه شرّ خالص. حيث يُروى الفيلم بالكامل من منظور آرثر، ونحن كمشاهدين وُضِعنا في مكانٍ يتيح لنا التعاطف معه.
إضافةً لذلك، يحتوي الفيلم على رسالة واضحة تشير إلى أن تصرفات آرثر هي خطئه وأفعاله، فقد ساعدْنا بخلق بيئة حيث يمكن أن يولد شخص مثله. وهذا ما اعتبرته وسائل الإعلام خطيرًا بشأن الفيلم.
عندما عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي في أغسطس الماضي وحصل على جائزة الأسد الذهبي المرموقة، انتقدت الكاتبة ستيفاني زخاريك من Time Magazine الفيلم لتصويره المتعاطف مع البطل، الذي يمكن تبنيه بسهولة كقديس أو مخلّص.
منذ إصدار الفيلم تتالت سلسلة من التعليقات المماثلة من النقاد الذين كانوا قلقين من أن الغموض الأخلاقي والتصوير المتعاطف لقاتل مختل ذهنيًا، يمكن أن يحرض على العنف في العالم الحقيقي. وأن الشباب المنعزلين – مثلهم مثل الحشود التي كانت تقوم بأعمال شغب في المشهد الختامي للفيلم – يرون أن الجوكر هو بطل الفيلم.
لكن إضفاء طابع إنساني على الشخصيات التي تؤدي أعمال عنف غير إنسانية ليست شيئًا جديدًا على هوليوود. إن تقديم جولة في العقول الملتوية لأبطال الأفلام هو شيء رأيناه كثيرًا في السابق.
شخصيات مُختلة مثل ترافيس بيكل (يؤديه روبيرت دينيرو) في Taxi Driver، باتريك باتمان (يؤديه كريستيان بيل) في American Psycho وتايلر ديردن (يؤديه براد بيت) في Fight Club حصلوا على استحسان نقدي وتجاري، دون إثارة شرارة الجرائم بين المراهقين الساخطين.
جوكر ليس قصة صعود آرثر.. بل قصة سقوطه
يبدأ الفيلم برسم آرثر لنا كشخص جيد ويعمل بجد، ويحاول التغلب على حالته العقلية، ويهتم بأمه العجوز. ولكن بغض النظر عما يفعله، فإن الحياة تسقطه أرضًا، في بعض الأحيان حرفيًا.
أفعاله العنيفة بعد ذلك ستكون سهلة التقبل لنا، لأننا رأينا كيف تعامل هذا العالم مع آرثر، وليس لأن ما يقوم به هي أفعال تستحق الإعجاب والتقدير بأي شكل من الأشكال.
حتى أن الفيلم لا يظهر لنا هذه التصرفات على أنها انتصار للشخصية، فهو لا يظهر سوى عالم فوضوي وكارثي جديد أنشأه آرثر وأتباعه عندما أصبح الجوكر.
بالواقع هناك جانب كبير من الجدل يسبق تجسيد يواكين فينيكس لشخصية المهرج المختل. يرتبط بالتجسيد السابق للشخصية بواسطة هيث ليدجر في The Dark Night.
عام 2012، وقع إطلاق نار جماعي في سينما في كولورادو أثناء عرض فيلم The Dark Knight Rises. وبحسب ما ورد كان مطلق النار من محبي أفلام باتمان، وادعت وسائل الإعلام في ذلك الوقت زورًا أنه أشار إلى نفسه بأنه هو جوكر.
وجاء في التقارير الإخبارية ذاك الوقت:
“يُزعم أن جيمس هولمز أخبر الشرطة أنه الجوكر، وقد صبغ شعره على الأرجح ليبدو مثل الشخصية، كما زُعم أنه قام بتحصين شقته بأفخاخ متقنة، وهو سلاح مفضل للجوكر، الذي يقوم بجرائمه بسعادة. ووصف الممثل هيث ليدجر ذات مرة الجوكر بأنه مهرج مصاب بالفصام وقاتل بدون أي رحمة أو تعاطف”.
ومنذ ذلك الوقت الارتباط مع إطلاق النار الجماعي وشخصية الرسوم الهزلية لم يختف. وهذا أمر مفهوم.
الفيلم ليس تحفيزًا لإلقاء اللوم على الأمراض العقلية كما تقول بعض وسائل الإعلام، بل إنه مجرد تصوّر دقيق لشيء يمكن أن يحدث في الحياة الحقيقية.
تحول جوكر بسرعة إلى كبش فداء إعلامي، وهو تأثير ثقافي يلقى لوم المشاكل الداخلية للمجتمع عليه. وبسهولة يمكن تذكر إلقاء لوم حالات العنف على الألعاب -لعل GTA هي أحد أكبر الأسماء في حمل اللوم- أو حتى أنماط معينة من الموسيقى. فموسيقا الميتال ارتبطت بشكل مستمر مع عبادة الشيطان أو تحفيزها على العنف أو الانعزال عن المجتمع.
وجد مارلين مانسون نفسه في وسط عاصفة إعلامية يتم إلقاء اللوم فيها على تلك الفظائع الرهيبة.
فبعد المجزرة ومحاولة التفجير التي حدثت في ثانوية كولومباين بالولايات المتحدة الأميركية، التي نفذها الطالبان إريك هاريس وديلان كليبولد، وقتلا خلالها 12 طالبًا ومدرس واحد قبل انتحارهما. ظهرت تقارير تشير إلى أن الثنائي اعتبرا نفسيهما من مافيا “Trenchcoat” الذين كان من محبي موسيقى مانسون.
وفي مقابلة بوقت لاحق مع مانسون يقول:” كانوا بحاجة إلى كبش فداء، كان شيئًا صادمًا للغاية لأميركا وبقية العالم في ذلك الوقت، كانوا بحاجة إلى تفسيرٍ لما حصل، وأنا أبدو كشخص يسهل إلقاء اللوم عليه. لست مندهشًا من الأمر ولكن أنا مندهش للمدى الذي ذهبوا إليه في اضطهادي”.
في حين أن الاتهامات ضد مانسون تبدو غير منطقية في هذا الوقت، إلا أنها لا تختلف أبدًا عن الهستيريا المحيطة بـ جوكر أثناء صدوره. وبينما استفاد الفيلم من الاهتمام المتزايد؛ تبدو الرغبة في توجيه إصبع الاتهام للخيال في غير محله، خاصة عندما يكون الخيال عبارة عن فن يصور شيئًا منتشرًا في حياتنا اليومية.
تمت الإشادة بالفيلم من قبل أشخاص مثل أدريان رين، عالم أعصاب مشهور بكونه الأول في مجاله لدراسة الموجات الدماغية للقتلة.
وكما قدمته مجلة “Vanity Fair”، هو باحث بريطاني موقر كرّس عقودًا من حياته لفهم ما يجعل المجرمين يصبحون ما هم عليه، وقال في لقاء مع المجلة إن الفيلم كان أداة تعليمية رائعة في فهم الظروف الجينية الاجتماعية والعلاج الطبي الذي يمكن أن يؤدي بشخص ما إلى ارتكاب أعمال فظيعة.
وفي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، قال البروفيسور كيندال فيليبس: “كل هذا الحديث عن العنف الواقعي المحتمل حول الفيلم يصرف الانتباه عن فرصة استخدام هذا الفيلم لبدء حوار حول قضايا مثل الانعزال والعنف الزائد”.
لا يمكن إنكار وجود أزمة ضمن الشباب العدميّ والمنعزل الذي يوازيه جوكر بشكل متعمّد. ولكن بدلاً من توجيه إصبع الاتهام إلى الفن، ربما تحتاج وسائل الإعلام إلى توجيه أصابع الاتهام للأسباب الجذرية لوجود أشخاص مثل آرثر، وما يمكننا القيام به لدمجهم في المجتمع بدلاً من تحفيز الكارثة.
المصدر: الاتحاد برس