تاريخ موجز للنسوية

لفهم الحركة النسوية، تماما مثل أي شيء آخر علينا فهم تاريخها؛ المشكلة أن تاريخ الحركة مفكك إلى حد ما، لا يوجد شيء اسمه “حركة نسوية واحدة” متجانسة، بل أتت على شكل موجات متتابعة، فهناك العديد من الحركات النسوية، وهي مصطلح يستخدم لوصف مجموعة من الحركات والثورات والمطالبات المختلفة والممتدة عبر فترة من الزمن.

تاريخ ونظرية النسوية

النسوية هي مجموعة معقدة من الأيديولوجيات والنظريات، التي تهدف في جوهرها إلى تحقيق حقوق اجتماعية وسياسية واقتصادية متساوية بين النساء والرجال. وتعزيز التغيرات في المجتمع لإنهاء الأنماط التي تضر بالمرأة.

قبل الموجة الأولى من الحركة النسوية، كان هناك ما يسمى بـ النسويات البدائيات. وهم أشخاص دافعوا عبر التاريخ عن المساواة بين المرأة والرجل؛ فإحدى أقدم الأعمال النسوية كانت جمهورية أفلاطون. لقد جادل بشكل أساسي أنه يجب تحرير النساء من رعاية الأطفال عبر ما يشبه دور الحضانة في يومنا هذا، حتى تتمكن النساء من لعب دور فعال في بناء مدينته الفاضلة.

أصل كلمة “النسوية”

ظهر المصطلح لأول مرة خلال سبعينيات القرن التاسع عشر في فرنسا على أنه “Féminisme” مع وجود بعض التكهنات بأنه ربما تم استخدامه قبل ذلك الحين. في ذلك الوقت، أشارت الكلمة إلى حرية المرأة أو تحررها.

في عام 1882، استخدمت هوبرتين أوكليرت، وهي نسوية فرنسية رائدة وناشطة في حق الاقتراع للنساء، مصطلح Féministe لوصف نفسها والآخرين الذين يعملون من أجل حرية المرأة.

يمكن استخدام مصطلح النسوية لوصف حركة سياسية أو ثقافية أو اقتصادية تهدف إلى إرساء حقوق متساوية وحماية قانونية للمرأة.

على الرغم من أن مصطلحي “Feminism” و “Feminist” لم يكتسبا استخدامًا واسع النطاق حتى السبعينيات، إلا أنه تم استخدامهما بالفعل في اللغة المتداولة قبل ذلك بكثير؛ على سبيل المثال، تتحدث (كاثرين هيبورن – Katherine Hepburn) عن “الحركة النسائية” في فيلم (امرأة العام – Woman of the Year) لعام 1942.

غيّرت النسوية وجهات النظر السائدة في مجموعة واسعة من المجالات داخل المجتمع الغربي ، بدءًا من الثقافة إلى القانون.

الموجة الأولى (حق التصويت)

يمكن القول إن ما يشير إليه المؤرخون باسم “الموجة الأولى من النسوية” بدأ في أواخر القرن الثامن عشر مع نشر أطروحة الكاتبة البريطانية “ماري ولستونكرافت” بعنوان ” دفاع عن حقوق المرأة: القيود السياسية والأخلاقية ” عام 1792، وانتهى بالتصديق على التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي بتاريخ 21 مايو من عام 1919، الذي يحمي حق المرأة في التصويت.

ركّزت هذه الموجة على تعزيز المساواة في الحقوق وحقوق الملكية للمرأة ومعارضة الزواج وتملُّك النساء (وأطفالهنّ) من قبل أزواجهنّ.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، تركز النشاط في المقام الأول على اكتساب سلطة سياسة -بما في ذلك حق التصويت- لإحداث التغيير المطلوب، ثم تم توسيع جدول الأعمال السياسي ليشمل القضايا الجنسية والإنجابية والاقتصادية.

في الولايات المتحدة، تجلى هذا في “مؤتمر سينيكا فولز” عام 1848، تم إنتاج وثيقة تسمى “إعلان الحقوق والمشاعر”.

وثيقة إعلان الحقوق والمشاعر

حاكت هذه الوثيقة “إعلان الاستقلال” لعام 1776 ولكن بدلاً من إعلان الملك جورج الثالث على أنه طاغية، قالت الوثيقة إن النظام الأبوي هو الاستبداد.

قالوا “لقد كانت هذه هي المعاناة الصابرة للنساء في ظل هذه الحكومة، وهذه هي الضرورة التي تضطرهنّ الآن للمطالبة بالمركز الذي يحق لهنّ الحصول عليه”.

الموجة الثانية (الحقوق القانونية والاجتماعية)

تشير الموجة الثانية من الحركة النسوية إلى فترة النشاط في أوائل الستينيات واستمرت حتى أواخر الثمانينيات.

تقترح الباحثة “إيميلدا ويليهان” أن الموجة الثانية كانت استمرارًا للمرحلة السابقة للنسوية التي تنطوي على حق الاقتراع في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

كان التركيز الرئيسي للموجة الثانية على المساواة الكاملة بين الجنسين – المرأة كمجموعة لها نفس الحقوق الاجتماعية والسياسية والقانونية والاقتصادية التي يتمتع بها الرجال.

ظهرت الموجة الثانية من الحركة النسوية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي دخلت خلالها العديد من النساء إلى القوة العاملة، وكان من الممكن أن تنتهي بالتصديق على “تعديل الحقوق المتساوية” (ERA)، لو تم التصديق عليه.

كان من المقرر التصديق على تعديل الحقوق المتساوية عام 1972 بينما كانت حرب فيتنام لا تزال مستمرة. لذلك فشلت المحاولة، وهي لاتزال في الكونغرس منذ ذلك الحين دون أن يتم تصديقها.

بدأت مخاوف الموجة الثانية تشق طريقها في الأوساط الأكاديمية في الثمانينيات. مع حصول هؤلاء النسويات على درجة الدكتوراه، أصبحت دراسات “الجنس – الصنف” مجالًا جديدًا للدراسة في مهنة التاريخ.

بينما انقسمت النسوية في الأوساط الأكاديمية على أسس نظرية، كان هناك نسويات ليبراليات يسعين إلى تحصيل تعديل الحقوق المتساوية (ERA) وقوانين أخرى من هذا القبيل وبعد ذلك كان هناك نسويات راديكاليات يسعين إلى تحول مجتمعي.

في حين أن الليبيراليات يسعين لتحصيل المزيد من الحقوق المتساوية، جادل النسويون أصحاب الفكر الراديكاليّ بأن “التحرر يجب أن يعمّ جميع جوانب الحياة”، لكن هذا الانقسام لا يزال قائماً مع تغيّر النسوية.

يعتقد بعض النسويات أن الإباحية يمكن أن تكون شيئًا إيجابيًا لمن يشاركون فيها أو يستهلكونها، وربما حتى تحررهم.  فيما يجادل ناشطون نسويون آخرون بأن “صناعة الجنس” ضارة تمامًا بالنساء، سواء بسبب الإساءة التي تتعرض لها العديد من النساء، إضافة لتجسيد المرأة اجتماعيًا بشكل سيء.

أصبحت هذه واحدة من أكثر الخلافات النسوية مرارة في الثمانينيات ولم تُحل بعد. لا تنقسم بدقة على أسس راديكالية وليبرالية.

نتيجة لدراسات الأكاديميين لفئة العرق والجنس، تطورت موجة جديدة من الحركة النسوية.

تجاهلت الموجة الثانية إلى حد ما قضايا العرق والطبقة والميول الجنسية، لذلك جاءت الموجة الجديدة في محاولة لتصحيح هذا الخطأ.

الموجة الثالثة

سعت هؤلاء النسويات إلى إيجاد كيفية تغلغل أشياء مثل كراهية النساء وعدم المساواة في مجتمعنا.

لقد درسوا أشياء مثل فروق الأجور (التمييز في الأجور بين الرجال والنساء) والتحرش الجنسي، لأنه لا يمكنك محاربة الظلم دون معرفته بشكل واضح بدايةً. وتمت هذه الدراسات عبر تحليل بيانات عن مختلف الطبقات التي تحدث بها حالات اضطهاد، ومن ثم التعاون مع المنظمات المدنية الأخرى.

على سبيل المثال، نرى النسوية تدافع عن حقوق المثليين، لكن توسّع الجنس جلب شيئًا واجهت النسويات صعوبة في التعامل معه.. المتحولين جنسياً.

هناك فئة من النسويات تعتقدن أن حقوق المتحولين جنسياً من القضايا التي يحاربون لأجلها، ويسعون إلى التقليل من شأن الأشخاص المتحولين جنسياً كجزء من نسويتهم.

وأطلق اسم “النسويات الراديكاليات المتحولات” أو “TERFs”على هذه الفئة.

في هذه المرحلة من الصعب معرفة ماهية الحركة النسائية. إنهم مهتمون بالمساواة ولكن يشملون أيضا اهتمامات الأقسام الأخرى.

الموجة الرابعة (الانترنت)

هذه الفئة من النسويات يدافعن عن المساواة باستخدام الحملات على وسائل الإعلام الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، مثل حركة “MeToo” لكنها فردية للغاية بسبب طبيعة الوسط التي تحصل فيه هذه الحملات.

الموجة الرابعة هي في نواتها الموجة الثالثة تزيل نفسها من برجها العاجيّ للتعامل بشكل مباشر مع الجميع.

ولكن هناك مشكلة تأتي مع مثل هذا النوع من الحركات الفردية. عندما يكون لكل شخص صوت متساوٍ بفضل الإنترنت، فسيظهر بعض الأشخاص المتطرفين الذين يحاولون “معاقبة” كل من يتحدث بما لا يوافق رأيهم.

هؤلاء الأشخاص يمكن أن يكونوا سَريعي الحكم في كثير من الأحيان، ويخلقون جو من العدائية، وهذا يعيق الحركة.

لكن عندما تصبح الموجة الرابعة مقبولة أخيرًا وإن نجحت النسوية بشكل عام، إلى أين نذهب من هناك؟ ما هو الهدف النهائي للنسوية؟

حسنا هذا يسمى “ما بعد النسوية”. وهذه المرحلة تتخيل كيف سيبدو العالم المتساوي بين الجنسين.

وبالنهاية لا نستطيع إنكار وجود النسوية أو بتعبير أدق، الحركات النسوية المختلفة؛ فالنسوية هي حركة انسانية قامت بالفعل بتغييرات جذرية في المجتمعات، وحاربت لإعطاء المرأة حقها في المجتمع.

لكن رغم ما قدمته، فالنسوية ليست خالية من الأخطاء، مثلها مثل كل الحركات التحررية.

العدائية العمياء تجاه الرجل (وبالأخص تلك التي ترافقت مع الموجة الرابعة) استطاعت وبشكل فعّال أن تخلق شرخًا كبيرًا بين صفوف النسويات ذاتهن، وبين الرجال، حتى أولئك الذين يدعمون النسوية بشكل كبير.

أيضًا العدائية ضد النساء اللواتي لا يتوافقن معهن بالضرورة أيضًا قضية تحتاج للعلاج، فبعض النسويات اتخذوا شعارًا (إما معنا أو ضدنا) وبالتالي عدنا لنقطة البداية.. إنما الخوف هنا من المرأة النسوية “القامعة لحريات النساء” بدلاً من الرجل.

المرأة القوية المستقلة هي الهدف المراد تحقيقه.. ولكن هذا المفهوم قد يختلف كثيرًا من امرأة لأخرى، وربما قبول بعض “النسويات المتشددات” هذا المفهوم قد يكون حلًا لهذا الصراح الطويل الأمد.