من المؤكد أن فيلم Fight Club هو أحد أكثر الأفلام المثيرة للانقسام بين الجماهير على كافة المقاييس. هناك بعض الأشخاص الذين يشاهدون الفيلم ويتعلقون بتلك الجمل “لن نصبح أحرارًا بشكل مطلق حتى نخسر كل ما نملك”، والتي تمثل علم النفس الزائف؛ هؤلاء الناس الذين يشعرون بعبء رتابة الحياة.
وفي الوقت ذاته، هناك آخرون يفهمون أن الطبيعة البشرية لن تسمح بقيام عالم أو حضارة دون وجود قواعد أو حُكّام ينفّذون هذه القواعد؛ يفهمون أن هذا المجتمع المثالي لا يمكن أن ينجح في الحياة الواقعية.
إن الرسالة الحقيقية للفيلم هي رسالة تدعو للتوازن؛ أي أنه خلال السعي لإيجاد هدف الحياة الجوهري، نحتاج إلى التواجد في مكان ما بين الخضوع الكامل للشركات الكبيرة والتحول لمستهليكن هدفهم شراء منتجاتٍ قد لا نحتاجها بضرورة الأمر، وبين تلك الفوضى والعشوائية -التي قد تكون خطرة وعنيفة- المرافقة لقيام “الثورة” التي قام الفيلم بعرضها.
وتظهر عبقرية المخرج ديفيد فينشر، بقدرته على إقناع بعض الجمهور بأن هذا الفيلم يمجّد رسالة مناهضة للحياة المؤسساتية المحكومة بالمال، وبالتالي الشركات العملاقة؛ لينقلب على هذه الرسالة في النصف الثاني من الفيلم مظهرًا الفوضى التي ترافق نمط الحياة المعاكس تمامًا.
في بداية الفيلم يُقدم لنا الراوي على أنه شخص فقد سيطرته على حياته، فهو لا يتحكم بها، ولا يفعل أي شيء. يذهب إلى العمل، ويعود إلى المنزل ويعيد الكَرّة في اليوم التالي. لا شيء يجعله يشعر بالفرح، لا يجد أنّ الحياة تستحق العيش. كل ما يقوم بفعله هو تنفيذ لما تطلبه الشركات، إما تلك التي يعمل لصالحها أو تلك التي يشتري منها السلع الاستهلاكية.
إنه تجسيد حقيقي لعبدٍ للشركات، بل أشبه بالآلة. ليس لديه شخصية، ليس لديه اسم.
الراوي ليس لديه شخصية، ولكن لديه وعي ذاتي لإدراك ذلك، ويختار أن يفعل شيئًا لتغيير هذا الوضع. محاولته الأولى هي الذهاب إلى مجموعات دعم مختلفة، تعمل هذه الخطة لفترة قصيرة ويبدو وكأنه قد أصلح مشاكله حتى تظهر مارلا وتخرّب خطته.
مارلا هي إحدى أكثر الشخصيات المثيرة للاهتمام في الفيلم، فوجودها غير مدعوم بأي تفسير، ظهرت فجأة في حياة الراوي، وتظهر وتختفي بشكل مشابه لـ تايلر الفيلم.
ليس من المستبعد أن تكون مارلا إحدى توهّمات الراوي، فهناك تايلر الذي يدفعه خارج حدود راحته، في حين أن مارلا قادرة على إيقاظه من أوهامه وإبقاء صلته مع الواقع، ويمكن اعتبارها وعيه الأخلاقي.
نلتقي بمارلا أولاً في مجموعات الدعم، لتتحول هذه المجموعات إلى أداة غير فعالة. لم يعد بإمكانه النوم أثناء وجودها معه، “كذبها يعكس كذبي”. ففي حين أنه كان مستفيدًا من استغلال هؤلاء الأشخاص وخيانة ثقتهم، كانت مارلا موجودة لتذكيره بأن ما يفعله غير صحيح.
كما أنها الشخص الوحيد الذي يراه في كهفه، وهو التجسيد الحرفي لوعيه الباطن؛ وفي نهاية الفيلم تصبح مهمته الوحيدة إنقاذ مارلا خلال محاولته إيقاف “مشروع الفوضى – Project Mayham”.
على الجانب الآخر من اللاوعي تايلر ديردن. وهو يمثل نظرة الراوي لشكل الحياة المثالية. يتوقف عن الاهتمام بما يفكر به الآخرون ويبدأ في عيش الحياة بالطريقة التي يريدها. ليست هناك حاجة ليحيط نفسه بسلع باهظة الثمن. الخروج من القوقعة وعيش الحياة كما يريد هو الأمر الأكثر أهمية.
ومع مسير الأحداث، يصل الراوي لمرحلة يبدو فيها راضٍ فعلًا، لديه مجموعة جيدة من الأصدقاء، لديه وظيفته، إنه يشعر بالسعادة؛ أو على الأقل هذا ما يقوله لنفسه، وبالتالي لنا.
أحد أفضل سمات الفيلم هي الراوي غير الموثوق. فهو ليس صادقًا معنا أبدًا، لأنه ليس صادقًا مع نفسه. نحن نرى ما يراه فحسب.
وربما المثال الأوضح هو المحادثة الصغيرة التي جرت في أحد باصات المدينة، فيقول الراوي لنا :”شعرت بالأسف على الرجال المعبأين في صالات الرياضية، محاولين أن يبدو مظهرهم كما قال كالفين كلاين أو تومي هيلفيغر أنه يجب أن يبدو”.
ويتابع قائلًا لتايلر: “هل هذا ما يبدو عليه الرجل؟”. ليأتيه الرد “تحسين الذات هو الاستمناء”.
من الصعب تحديد حدث ما عبر الفيلم واعتباره النقطة التي تجاوز فيها الحد لما هو مقبول في المجتمع، لكنها بالتأكيد قبل وفاة بوب (صديقه السمين من إحدى مجموعات الدعم)، وبعد بدء Project Mayhem.
قد تكون هذه النقطة عندما قام تايلر بضرب لو، مالك الحانة التي وُلدَ “نادي القتال” في قبوها، وهو تمثيل السلطة، وضربه هو هجوم وتعدٍ عليها؟
فبعدها، لم يكتفي الراوي وتايلر بعيش الحياة كما يريدونها، بدلاً من ذلك، أجبرا الآخرين على عيش الحياة التي يشعرون أنها الأفضل. يريدون الآخرين أن يكونوا أحرارًا أيضًا.
بالطبع هذه ليست حرية حقيقية، بنفس الطريقة التي لم يكن لدى الأشخاص المشاركين في Project Mayhem خيار للعمل في شركة؛ ليتطور المشروع إلى ما كان يحاول محاربته بالضبط.
على مدار الفيلم، هناك تطور من السرد إلى الرمزية. رمزية خفيّة تظهر أنه لكي تعيش حياة جيدة وناجحة، تحتاج إلى إيجاد طريقة لموازنة الفوضى والنظام.
يكشف لنا الفيلم أن العيش في حياة مؤسساتية صارمة والعيش في حياة تملؤها الفوضى كتلك التي خلقها Project Mayhem، هو الأمر ذاته.
في بداية الفيلم، لا يتحكم الراوي في حياته، لا إرادة حرة، كل ما يفعله تسيطر عليه الشركات. وفي وقت لاحق، يسحب Project Mayhem كل إرادته الحرة مرة أخرى، ليبقى دون خيارات.
العيش في حياة تتبنى أحد الطرفين المتشددين سيكون أمرًا مستحيلًا، ففيلم Fight Club يتعلق بتقبل الضمير الأخلاقي. ودون مراعاة للآخرين أو للذات، ستكون الحياة عديمة الفائدة. وسيتضح معنى الحياة عندما يتقبل الشخص هذه الحقيقة.